بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 51 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 51 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 266 بتاريخ الإثنين أكتوبر 28, 2024 11:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 28 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو صوت المطر فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 516 مساهمة في هذا المنتدى في 348 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
admin - 86 | ||||
cute - 40 | ||||
د.سين - 38 | ||||
لا - 31 | ||||
كتكوتة والشفة توتة - 31 | ||||
سنفورة - 28 | ||||
جمرة غضى - 28 | ||||
فوضى - 25 | ||||
قليل من ضوء - 25 | ||||
تفاحة نيوتن - 25 |
سحابة الكلمات الدلالية
سؤال التجديد.. التحدي الأجمل
صفحة 1 من اصل 1
سؤال التجديد.. التحدي الأجمل
سؤال التجديد.. التحدي الأجمل في الفكر الإسلامي
لماذا التجديد الديني؟ (1)
من المريح جدا أن مفهوم التجديد مفهوم شرعي إسلامي بامتياز، نشأ في المجال التداولي الإسلامي ونما فيه، وليس في مضمونه أية شبهة أو خطيئة، جاء في الحديث الصحيح قول النبي عليه الصلاة والسلام: " إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، وفي معنى الحديث كلام طويل هل المراد به شحص واحد أو فئة؟ وهل التجديد شامل أو مجزأ؟ وما يعنيني هنا أن من يتحدث عن التجديد إنما يدعو إلى سنة محمدية، فلا يعني التجديد تغيير الجذور ولا نزع الأصول ولا يعني الشهادة على التراث بالفساد، بل هو ضروري لطبيعة الحياة وطبيعة الأمة المتدينة التي يخلق فيها الإيمان، وتبلى فيها الأفكار وبالتالي تضعف فيها الروح وتتأثر الأمة بما حولها من ثقافات تأثيرا إيجابيا وسلبيا في الوقت ذاته، وتكون الأحداث في بعض الأحيان أسرع من عقل مفكريها، وفي أحيان أخرى أدهى منهم، وربما قويت بعض الأمم عليها فتسلطت على فكرها فشوهته أو شككت فيه، ولئن كان حفظ الذكر مكفولا، فذمة وعقول ونفوس وإيمان العلماء ليست مكفولة على الإطلاق.
أين تكمن أهمية التجديد الديني؟ يأتي هذا السؤال في الوقت الذي تعاني منه الأمة الإسلامية خطئية التخلف وتبحث عن إجابة لسؤال النهضة، فهل يخيّل لي أن النهضة لن تقوم إلا على فكر ديني سديد؟!
هذا سؤال وجيه، وفيه يكمن اعتراض على أولوية التجديد من عدمها، قد تتحقق النهضة عبر أفكار غير دينية، بل ملحدة لا علاقة لها بالعالم الآخر، وقد تتحقق النهضة في أمة أسطورية الفكر كما حصل للصين واليابان، كان الانتحار في اليابان يعد ذروة ارتقاء روح المقاتل (الساموراي)، وكان العاشق إذا أراد أن يبرهن عن حبه لحبيبته انتحر لأجلها، وهذه الفكرة الأسطورية معطلة للنهضة بامتياز، لكنهم حولوها إلى عامل مساعد، ففي الحرب العالمية الثانية ابتكر الجيش الياباني الطائرة الانتحارية التي يقذف بها الطيار في مدخنة الأساطيل البحرية فيدمرها، فكان الانتحار شرفا للدفاع عن الوطن، وإذا قرأت التاريخ الأوروبي في عصوره الوسطى وفي نصفها الأول خصوصا يخيل إليك أنها أمة مستعصية على النهوض، فلو كان الصلاح الديني شرطا للنهضة لما نهضت هذه الأمم.
بل إن بإمكان كل فكر ديني أن يكون معوقا للنهضة أو داعما لها، ففي الفكر الإسلامي السلفي مثلا اتجاهات معرقلة للنهضة وأخرى داعمة لها، وكذلك الحال في الفكر الصوفي وغيره، لذلك كان من واجبات التجديد الديني أن يميز بين الأفكار المعوقة للنهضة والداعمة لها، ليوجد الأولى ويعززها، ويقضي على الأخرى ويبددها.
وما زال السؤال قائما: لماذا التجديد الديني؟
أولا: لأن النهضة التي نسعى إلى إيجادها هي نهضة إسلامية، أننا نريد النهضة وفق المنظومة الإسلامية، والداعي لإيجادها هو مفهوم الاستخلاف القرآني، الذي فهمناه من كلام الله تعالى، فالله هو المقصود الأعظم وهو غاية الغايات، وهو الذي أمرنا بالاستخلاف الذي هو غاية وجود الإنسان على هذه الحياة، فالداعي الأصلي للنهضة هو الاتصال بالله تعالى... هذا هو الأساس.. ويدفعنا إلى النهضة حال الإنسان على هذه الأرض، فكم يؤلمنا ما يقع عليه من ظلم وقهر وسلب لحقوقه وطمس لإنسانيته، بل إن تشويه صورة الإنسان هو أقسى ما تعانيه البشرية اليوم، ويدفعنا إلى النهضة حال العالم العربي والإسلامي الذي يرزح تحت خطيئة التخلف الحضاري، ويتجرع سم الاستبداد، ويفقد أبناؤه لذة الإنسانية بفقدهم الحرية وتقرير المصير... كل هذا يدفعنا إلى أن خطيئة التخلف أعظم ما انغمس فيه المسلمون اليوم، ووجب عليهم أن يتطهروا منه سبع مرات بأن يغسلوا عقولهم بمعرفة تعيد بناء الخارطة وتبني نموذجا إسلاميا يتمركز حول الخالق مطلقا وحول الإنسان في عالم الشهادة.
ثانيا: أن التدين سمة بارزة في العالم الإسلامي، وقد تغلغلت أفكار تلبست بلباس الدين في مجتمعاتنا، تدفع إلى التخلف وتعرقل النهوض، بل أصبحت هذه الاتجاهات الدينية خيارا مفضلا لمن يريد أن يبقى عالمنا على حاله، لكن هذا التدين ميزة في ذاته، أعني أن الأمة المتدينة لا يصلح لإيقاظها سوى دينها، فالتجديد الديني خيار استراتيجي لا بديل له فيما يبدو، فلابد أن ينشأ تيار إسلامي يعيد تصحيح صورة الإنسان وعالم الشهادة، ويبني نموذجه المعرفي، يوضح من خلاله الكليات ويشرح العلاقات.
(2) جذر الخلل
في لحظة ما من لحظات التاريخ بدأ الغرب ينهض بسرعة تتجاوز بقية الأمم، وإذا كان الآخرون قد شعروا بذلك فالأكيد أنهم لم يستشعروا تماما الفارق الحضاري الذي بدأ يتسع شيئا فشيئا حتى صار يقدر بالقرون، وفي غزو نابليون لمصر حدثت الصدمة الحضارية للعقل العربي، فشعر بالهوة التي تفصله عن الغرب، وأحس بجدية الموقف، فطرح الشيخ حسن العطار في أوائل القرن التاسع عشر سؤال النهضة، والذي على إثره سافر رفاعة الطهطاوي إلى باريس ليرى ويحلل ويبحث عن جواب لهذا السؤال، صار الجواب هو بوصلة الفكر من الطهطاوي إلى خير الدين تونسي حتى نصل في نهاية القرن إلى عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وأهم مايميز تلك الحقبة وجود سؤال حاضر تتجه إليه العقول، ووجود منظومة إسلامية متكاملة في الأذهان، فالكل يعرف من هو وماذا يريد، لذلك كان الحديث عن منظومتين (الغربية والإسلامية)، وعن كيفية النهوض في ظل هاتين المنظومتين، هل الالتقاء ممكن؟ أم الانتقاء؟ وهل هو ممكن؟ إلى غير ذلك.
ومع نهاية الربع الأول من القرن العشرين تعرض العالم الإسلامي لعدة عوامل جعلته يغير مسيرته الفكرية، فبدلا من سؤال النهضة حل سؤال الهوية وجثم على صدره، وبدل الفكر التفصيلي الذي بدأت ترتسم معالمه عادت الشعارات، وبدل المنظومة حل الفكر المتشظي، وأسباب ذلك كثيرة ومتعددة ليس هذا مكان ذكرها، وإنما يهمني هنا أن أوصف العقل الإسلامي ابتداء من الربع الأول من القرن الماضي، إنك إن حاولت أن تجد عاملا مشتركا بين هذه الخطابات الإسلامية ستجد أن التجزيء الفكري و (اللا نسق) هو القاسم المشترك، فحاول إن شئت أن تجمع فتاوى جهة ما من الجهات ثم حاول أن تعرف من خلال قراءتها ودراستها ما هي الكليات؟ ولمن الأولوية؟ هل الأولوية للإنسان؟ أم للكون؟ أم للاجراءات (الدولة مثلا)؟ ستجد أن هذا يأتي أولا في بعض الأحيان ثم يأتي ذاك، دون أن تعرف السبب.
ولضياع سؤال النهضة ثم تشظي العقل المسلم وضياع النموذج المعرفي صار العقل يدور في دائرة مفرغة رغم الجهود والتضحيات التي يبذلها، فسؤال الهوية في جوهره سؤال دفاعي يدعو إلى الخروج من المعركة بأقل الخسائر، وهو سؤال يغلب الجانب السلبي فهو يخبرنا ماذا علينا ألا نكون لكنه لا يخبرنا غالبا ماذا ينبغي أن نكون، لذلك نتكون وفق تقلبات الزمان والمكان، فنحن اليوم مقاومون وغدا حلفاء مع من كنا نقاومهم، لا لتكتيك عسكري ولا لبعد سياسي ولا لخطة استراتيجية، لكن لأنه بدا لنا اليوم خلاف ما بدا لنا بالأمس، لذلك لا أظنني أبالغ إن جزمت أن جذر الخلل يكمن في ضياع النموذج المعرفي الإسلامي، والدخول في دوامة أفكار مبعثرة لا يجمعها رابط، ولا تعلم كلياتها من أجزائها، وبالتالي تفقد الغائية مبررها، وتضيع العلاقات بين الأجزاء.
(3) مفهوم التجديد
مع الشرعية القوية التي يكتسبها (التجديد) إلا أنه ذو معنى واسع خصوصا في الاستخدامات المعاصرة، فكل من يطرح تغييرا يدعو إلى التجديد، بل حتى من لا يريد التغيير يسمي نفسه مجددا بالحفاظ على الموجود، فمن أكثر الاطروحات تطرفا وانسلاخا طرح سلمان رشدي الذي لا يرى في القرآن الكريم سوى وثيقة تاريخية وحسب، ومع ذلك هو يرى نفسه ويراه معجبوه مجددا، إلى أكثر الأطروحات سذاجة وسطحية كتلك التي تقصر التجديد على آليات إيصال الخطاب (مثل الشريط الإسلامي واستخدام المايكروفون) وأيضا يسميها أصحابها تجديدا، فليس من الشفافية أن نفرّ من هذا السؤال أعني مفهوم التجديد الدقيق.
يكتسب التجديد أهميته وبالتالي معناه من المشكلة التي يعانيها العالم الإسلامي فكرا وواقعا، فالتخلف هو الخطيئة الكبرى، والتشظي الفكري هو خطيئة العقل الكبرى، وسأعود إلى هذا بالتفصيل بعد قليل، لكني أود الإشارة هنا إلى أن (اللا نسق) الذي ابتلي به العقل الإسلامي في الفترة الماضية ألقى بظلاله على الدراسات الشرعية والتجديدية، فالتشظي الفكري يفقد العقل بوصلته ويجعله يسير بغير هدى، أي إن الدراسات الشرعية والرسائل الجامعية تكمن مشكلتها في (مشكلة الدراسة)، فهو السؤال الذي يريد الباحث الإجابة عنه لأنه يراه سؤالا مهما وملحا، ومع كثرة الدراسات الشرعية إلا أننا نلاحظ أنها تعيش غربة عن الزمان والمكان، وسبب ذلك أن (مشكلة الدراسة) مشكلة موهومة سببها العقل المتشظي.
لابد من تحديد المستوى الذي لا يتعرض له التجديد، أي أنه يدخل في دائرة الإيمان، ودخوله في دائرة الإيمان أو الانحياز ليس فرارا من دراسته بل فراغا منها، وهذا المستوى هو الوحي أي القرآن والسنة، فليس ثبوت القرآن محل للدارسة في مفهومنا للتجديد، ولا حجية السنة النبوية (عموما)، إنما هي تدخل في دائرة الايمان أو الانحياز.
فإذا كنا أمة إسلامية ترجع إلى النص الديني لتعرف مراد ربها، فإن ذلك يحيلنا على مستويين للدراسة، الأول: هو آليات التعامل مع النص، والعلوم التي تشتغل في هذا المستوى هي قواعد التفسير وأصول الفقه، وما يتقاطع مع ذلك من سائر العلوم الإنسانية، أما المستوى الثاني: فهو الناتج عن النص، ويخيل لنا من الوهلة الأولى أن الدراسة لابد أن تكون بالترتيب، أي دراسة المستوى الأول ثم بعد الفراغ منه ننتقل إلى المستوى الثاني، لكن الواقع يشير إلى علاقة جدلية بين المستويين، فتحديدنا لشكل الناتج يلقي بظلاله على الآليات.
إذا قلت مثلا إن الناتج من النص هو النموذج (أيا كان) أي إنني أريد الخروج بنموذج معرفي إسلامي، فهذا بالتالي سيلقي بظلاله على الآليات، ففي علم أصول الفقه تعد المقاصد الآلية المفضلة للوصول إلى نموذج معرفي، وذلك بحسب صياغة الشاطبي لها، أي باعتبارها إعادة صياغة لأصول الفقه لا بابا من أبوابه، وعلى مستوى التفسير، يبدو أن اعتماد اللغة العربية قاعدة كبرى في التعامل مع النص القرآني، ثم اعتماد نظرية السياق، وكل ما يبقي القرآن وحدة متماسكة.. يبدو أن ذلك أقرب ما يكون لاستخراج النماذج، وكل ما يبعدنا عن النماذج مثل الإغراق في التفسير الفقهي أو الإغراق في الإعجاز العلمي يكون أبعد عن استخراج النماذج... ربما يكون التفسير الموضوعي هو أقرب المناهج لاستخراج النماذج، هكذا يبدو، لكن واقع التفسير الموضوعي ومفرداته وما يطرأ عليها من إشكالات يجعله بحاجة إلى إصلاح جذري وإعادة صياغة.
وخلاصة الكلام أن جذر الخلل في الفكر الإسلامي المعاصر هو فقد المنظومة أو النظام أو النسق أو النموذج المعرفي الإسلامي، لذلك يتجه التجديد إلى البحث عنه وتعميقه، وهذا سيلقي بظلاله على آليات فهم النص ويقيم علاقة جدلية بين الآليات ومخرجاتها.
(4) النموذج المعرفي الإسلامي
النموذج أو النسق أو النظام أو المنظومة... مصطلحات إذا حاولنا البحث عن أصولها الغربية واستعمالات العرب لها سنطيل الكلام كثيرا، وربما التحرر من هذه المحاولة وإيضاح مقصودنا منها هو الأفضل، لكني أيضا بحاجة إلى أن أبين أن هذه المصطلحات طرحت من جهات عديدة، فمثلا (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) يطرح من أولوياته إيجاد (نظام معرفي إسلامي) وهو يراه موازيا لأسلمة المعرفة، وتجد هذه المصطلحات أيضا في كتب كثير من المفكرين، فحتى لا يقع اللبس أود أن أبين المراد منها.
إن أول وأفضل من تحدث عن النموذج المعرفي الإسلامي هو الدكتور عبد الوهاب المسيري، وأنا أدين بالفضل له في الوقوف على هذا العنى، ولكني أعتقد في الوقت نفسه أن طرحه يشكل البذرة التي تحتاج إلى تنمية وتطوير كبير، وبحسب ما قرأت فإن المعالم التي طرحها المسيري شقت الطريق لكل من تحدث عن النموذج أو النظام، ولم يستطع أحد أن يضيف شيئا يذكر، إلا أن كل كاتب سلك به طريقه الخاص (انظر دراسات المعهد العالمي للفكر الإسلامي مثلا) حتى صار شيئا مختلفا، بل إني أعتقد أن النموذج المعرفي الإسلامي والأسلمة ضدان لا يجتمعان.
في المجتمعات الدينية التي ترجع في استقاء نموذجها من النص يكون النموذج هو الفكرة المحورية في نص ما والتي لا توجد في أي جزء منه بشكل ظاهر لكنها مع هذا كامنة في كل أجزائه وهي التي تمنحه وحدته الأساسية وتربط بين عناصره المختلفة، أما مصطلح (معرفي) فيقصد به معرفة الكليات والنهايات، وللتوصل إلى البعد المعرفي للنموذج لابد من العمل على ثلاثة مستويات، الأول: تحديد العلاقات، والثاني: معرفة الغايات، والثالث: هو تحديد المرجعيات، ويتم ذلك من خلال الحديث عن أركان النموذج الأساسية وهي (الخالق، الإنسان، الكون)، هذا باختصار شديد مجمل ما يدور حوله كلام المسيري ومن يكتب في النماذج، وأنا أعتقد جازما أن هذا هو بداية الطريق فحسب، فبعد بناء النموذج يتم بناء النماذج المصغرة، ولابد من التعمق في الآليات المفضلة، ثم اختبار النموذج وتقويته، إنها بكل صدق عملية شاقة للغاية.
يأتي الإنسان إلى النص مثقلا بالأفكار ومحملا بالهموم، هو لا يأتي محايدا ولا يستطيع أن يأتي محايدا، لأن الحياد في التعامل مع النص يشبه الإنسان الفارغ وهذا محال، إنه يأتي وقد أجرى تجارب كثيرة حتى صار إنسانا له أفكاره ومعتقداته وأساليبه في الفهم، يقرأ النص وهو محمل بنموذج أيضا، من حيث يدري أولا يدري، لكنه يحمل نموذجا بلا شك، يقرأ النص فيحاول تحديد الأفكار المحورية فيه ثم يقيم العلاقات بينها ويحدد غايات كل شيء في الوجود، فيقيم نموذجه الإسلامي، يضاف هذا النموذج إلى هذا الإنسان فيزيد من تجاربه، ويصبح إنسانا آخر أكثر خبرة وتطورا، فيتحول نموذجه إلى سلوك وهو يحاول أن يقيم نموذجه واقعا على الأرض، وهو بهذا الفعل يختبر هذا النموذج فيكتشف مكامن القوة فيه والضعف، ثم يعود مرة أخرى ليقرأ النص وفق هذا النموذج، ويختبره مرة أخرى، ليرى هل يقبله النص من خلال قراءته كوحدة متكاملة أم لا، فيصحح النموذج أو قل إنه يقويه، ثم يعيد اختباره مرة أخرى من خلال ذاته والواقع وقراءة النص، وهكذا يتكثف النموذج ويقوى عير العلاقة الجدلية، وهو في كل مرة يطور آلياته ويرتقي بعقله.
إن التعامل مع النموذج بهذه الطريقة الجدلية بين الإنسان والكون والنص، يجعل من الزمن عاملا مهما في تقويته وتكثيفه، وليس من الصواب اختصار هذه العملية الجدلية، لكننا مطالبون ببذل أقصى الجهد في هذا التراكم الزمني، إنني أستشعر من الآن حجم العناء الذي سيصاحب هذه العملية التجديدية، لكنها ستكون ممتعة ستسحق الحياة لأجلها.
د/ مصطفى الحسن .
لماذا التجديد الديني؟ (1)
من المريح جدا أن مفهوم التجديد مفهوم شرعي إسلامي بامتياز، نشأ في المجال التداولي الإسلامي ونما فيه، وليس في مضمونه أية شبهة أو خطيئة، جاء في الحديث الصحيح قول النبي عليه الصلاة والسلام: " إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، وفي معنى الحديث كلام طويل هل المراد به شحص واحد أو فئة؟ وهل التجديد شامل أو مجزأ؟ وما يعنيني هنا أن من يتحدث عن التجديد إنما يدعو إلى سنة محمدية، فلا يعني التجديد تغيير الجذور ولا نزع الأصول ولا يعني الشهادة على التراث بالفساد، بل هو ضروري لطبيعة الحياة وطبيعة الأمة المتدينة التي يخلق فيها الإيمان، وتبلى فيها الأفكار وبالتالي تضعف فيها الروح وتتأثر الأمة بما حولها من ثقافات تأثيرا إيجابيا وسلبيا في الوقت ذاته، وتكون الأحداث في بعض الأحيان أسرع من عقل مفكريها، وفي أحيان أخرى أدهى منهم، وربما قويت بعض الأمم عليها فتسلطت على فكرها فشوهته أو شككت فيه، ولئن كان حفظ الذكر مكفولا، فذمة وعقول ونفوس وإيمان العلماء ليست مكفولة على الإطلاق.
أين تكمن أهمية التجديد الديني؟ يأتي هذا السؤال في الوقت الذي تعاني منه الأمة الإسلامية خطئية التخلف وتبحث عن إجابة لسؤال النهضة، فهل يخيّل لي أن النهضة لن تقوم إلا على فكر ديني سديد؟!
هذا سؤال وجيه، وفيه يكمن اعتراض على أولوية التجديد من عدمها، قد تتحقق النهضة عبر أفكار غير دينية، بل ملحدة لا علاقة لها بالعالم الآخر، وقد تتحقق النهضة في أمة أسطورية الفكر كما حصل للصين واليابان، كان الانتحار في اليابان يعد ذروة ارتقاء روح المقاتل (الساموراي)، وكان العاشق إذا أراد أن يبرهن عن حبه لحبيبته انتحر لأجلها، وهذه الفكرة الأسطورية معطلة للنهضة بامتياز، لكنهم حولوها إلى عامل مساعد، ففي الحرب العالمية الثانية ابتكر الجيش الياباني الطائرة الانتحارية التي يقذف بها الطيار في مدخنة الأساطيل البحرية فيدمرها، فكان الانتحار شرفا للدفاع عن الوطن، وإذا قرأت التاريخ الأوروبي في عصوره الوسطى وفي نصفها الأول خصوصا يخيل إليك أنها أمة مستعصية على النهوض، فلو كان الصلاح الديني شرطا للنهضة لما نهضت هذه الأمم.
بل إن بإمكان كل فكر ديني أن يكون معوقا للنهضة أو داعما لها، ففي الفكر الإسلامي السلفي مثلا اتجاهات معرقلة للنهضة وأخرى داعمة لها، وكذلك الحال في الفكر الصوفي وغيره، لذلك كان من واجبات التجديد الديني أن يميز بين الأفكار المعوقة للنهضة والداعمة لها، ليوجد الأولى ويعززها، ويقضي على الأخرى ويبددها.
وما زال السؤال قائما: لماذا التجديد الديني؟
أولا: لأن النهضة التي نسعى إلى إيجادها هي نهضة إسلامية، أننا نريد النهضة وفق المنظومة الإسلامية، والداعي لإيجادها هو مفهوم الاستخلاف القرآني، الذي فهمناه من كلام الله تعالى، فالله هو المقصود الأعظم وهو غاية الغايات، وهو الذي أمرنا بالاستخلاف الذي هو غاية وجود الإنسان على هذه الحياة، فالداعي الأصلي للنهضة هو الاتصال بالله تعالى... هذا هو الأساس.. ويدفعنا إلى النهضة حال الإنسان على هذه الأرض، فكم يؤلمنا ما يقع عليه من ظلم وقهر وسلب لحقوقه وطمس لإنسانيته، بل إن تشويه صورة الإنسان هو أقسى ما تعانيه البشرية اليوم، ويدفعنا إلى النهضة حال العالم العربي والإسلامي الذي يرزح تحت خطيئة التخلف الحضاري، ويتجرع سم الاستبداد، ويفقد أبناؤه لذة الإنسانية بفقدهم الحرية وتقرير المصير... كل هذا يدفعنا إلى أن خطيئة التخلف أعظم ما انغمس فيه المسلمون اليوم، ووجب عليهم أن يتطهروا منه سبع مرات بأن يغسلوا عقولهم بمعرفة تعيد بناء الخارطة وتبني نموذجا إسلاميا يتمركز حول الخالق مطلقا وحول الإنسان في عالم الشهادة.
ثانيا: أن التدين سمة بارزة في العالم الإسلامي، وقد تغلغلت أفكار تلبست بلباس الدين في مجتمعاتنا، تدفع إلى التخلف وتعرقل النهوض، بل أصبحت هذه الاتجاهات الدينية خيارا مفضلا لمن يريد أن يبقى عالمنا على حاله، لكن هذا التدين ميزة في ذاته، أعني أن الأمة المتدينة لا يصلح لإيقاظها سوى دينها، فالتجديد الديني خيار استراتيجي لا بديل له فيما يبدو، فلابد أن ينشأ تيار إسلامي يعيد تصحيح صورة الإنسان وعالم الشهادة، ويبني نموذجه المعرفي، يوضح من خلاله الكليات ويشرح العلاقات.
(2) جذر الخلل
في لحظة ما من لحظات التاريخ بدأ الغرب ينهض بسرعة تتجاوز بقية الأمم، وإذا كان الآخرون قد شعروا بذلك فالأكيد أنهم لم يستشعروا تماما الفارق الحضاري الذي بدأ يتسع شيئا فشيئا حتى صار يقدر بالقرون، وفي غزو نابليون لمصر حدثت الصدمة الحضارية للعقل العربي، فشعر بالهوة التي تفصله عن الغرب، وأحس بجدية الموقف، فطرح الشيخ حسن العطار في أوائل القرن التاسع عشر سؤال النهضة، والذي على إثره سافر رفاعة الطهطاوي إلى باريس ليرى ويحلل ويبحث عن جواب لهذا السؤال، صار الجواب هو بوصلة الفكر من الطهطاوي إلى خير الدين تونسي حتى نصل في نهاية القرن إلى عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وأهم مايميز تلك الحقبة وجود سؤال حاضر تتجه إليه العقول، ووجود منظومة إسلامية متكاملة في الأذهان، فالكل يعرف من هو وماذا يريد، لذلك كان الحديث عن منظومتين (الغربية والإسلامية)، وعن كيفية النهوض في ظل هاتين المنظومتين، هل الالتقاء ممكن؟ أم الانتقاء؟ وهل هو ممكن؟ إلى غير ذلك.
ومع نهاية الربع الأول من القرن العشرين تعرض العالم الإسلامي لعدة عوامل جعلته يغير مسيرته الفكرية، فبدلا من سؤال النهضة حل سؤال الهوية وجثم على صدره، وبدل الفكر التفصيلي الذي بدأت ترتسم معالمه عادت الشعارات، وبدل المنظومة حل الفكر المتشظي، وأسباب ذلك كثيرة ومتعددة ليس هذا مكان ذكرها، وإنما يهمني هنا أن أوصف العقل الإسلامي ابتداء من الربع الأول من القرن الماضي، إنك إن حاولت أن تجد عاملا مشتركا بين هذه الخطابات الإسلامية ستجد أن التجزيء الفكري و (اللا نسق) هو القاسم المشترك، فحاول إن شئت أن تجمع فتاوى جهة ما من الجهات ثم حاول أن تعرف من خلال قراءتها ودراستها ما هي الكليات؟ ولمن الأولوية؟ هل الأولوية للإنسان؟ أم للكون؟ أم للاجراءات (الدولة مثلا)؟ ستجد أن هذا يأتي أولا في بعض الأحيان ثم يأتي ذاك، دون أن تعرف السبب.
ولضياع سؤال النهضة ثم تشظي العقل المسلم وضياع النموذج المعرفي صار العقل يدور في دائرة مفرغة رغم الجهود والتضحيات التي يبذلها، فسؤال الهوية في جوهره سؤال دفاعي يدعو إلى الخروج من المعركة بأقل الخسائر، وهو سؤال يغلب الجانب السلبي فهو يخبرنا ماذا علينا ألا نكون لكنه لا يخبرنا غالبا ماذا ينبغي أن نكون، لذلك نتكون وفق تقلبات الزمان والمكان، فنحن اليوم مقاومون وغدا حلفاء مع من كنا نقاومهم، لا لتكتيك عسكري ولا لبعد سياسي ولا لخطة استراتيجية، لكن لأنه بدا لنا اليوم خلاف ما بدا لنا بالأمس، لذلك لا أظنني أبالغ إن جزمت أن جذر الخلل يكمن في ضياع النموذج المعرفي الإسلامي، والدخول في دوامة أفكار مبعثرة لا يجمعها رابط، ولا تعلم كلياتها من أجزائها، وبالتالي تفقد الغائية مبررها، وتضيع العلاقات بين الأجزاء.
(3) مفهوم التجديد
مع الشرعية القوية التي يكتسبها (التجديد) إلا أنه ذو معنى واسع خصوصا في الاستخدامات المعاصرة، فكل من يطرح تغييرا يدعو إلى التجديد، بل حتى من لا يريد التغيير يسمي نفسه مجددا بالحفاظ على الموجود، فمن أكثر الاطروحات تطرفا وانسلاخا طرح سلمان رشدي الذي لا يرى في القرآن الكريم سوى وثيقة تاريخية وحسب، ومع ذلك هو يرى نفسه ويراه معجبوه مجددا، إلى أكثر الأطروحات سذاجة وسطحية كتلك التي تقصر التجديد على آليات إيصال الخطاب (مثل الشريط الإسلامي واستخدام المايكروفون) وأيضا يسميها أصحابها تجديدا، فليس من الشفافية أن نفرّ من هذا السؤال أعني مفهوم التجديد الدقيق.
يكتسب التجديد أهميته وبالتالي معناه من المشكلة التي يعانيها العالم الإسلامي فكرا وواقعا، فالتخلف هو الخطيئة الكبرى، والتشظي الفكري هو خطيئة العقل الكبرى، وسأعود إلى هذا بالتفصيل بعد قليل، لكني أود الإشارة هنا إلى أن (اللا نسق) الذي ابتلي به العقل الإسلامي في الفترة الماضية ألقى بظلاله على الدراسات الشرعية والتجديدية، فالتشظي الفكري يفقد العقل بوصلته ويجعله يسير بغير هدى، أي إن الدراسات الشرعية والرسائل الجامعية تكمن مشكلتها في (مشكلة الدراسة)، فهو السؤال الذي يريد الباحث الإجابة عنه لأنه يراه سؤالا مهما وملحا، ومع كثرة الدراسات الشرعية إلا أننا نلاحظ أنها تعيش غربة عن الزمان والمكان، وسبب ذلك أن (مشكلة الدراسة) مشكلة موهومة سببها العقل المتشظي.
لابد من تحديد المستوى الذي لا يتعرض له التجديد، أي أنه يدخل في دائرة الإيمان، ودخوله في دائرة الإيمان أو الانحياز ليس فرارا من دراسته بل فراغا منها، وهذا المستوى هو الوحي أي القرآن والسنة، فليس ثبوت القرآن محل للدارسة في مفهومنا للتجديد، ولا حجية السنة النبوية (عموما)، إنما هي تدخل في دائرة الايمان أو الانحياز.
فإذا كنا أمة إسلامية ترجع إلى النص الديني لتعرف مراد ربها، فإن ذلك يحيلنا على مستويين للدراسة، الأول: هو آليات التعامل مع النص، والعلوم التي تشتغل في هذا المستوى هي قواعد التفسير وأصول الفقه، وما يتقاطع مع ذلك من سائر العلوم الإنسانية، أما المستوى الثاني: فهو الناتج عن النص، ويخيل لنا من الوهلة الأولى أن الدراسة لابد أن تكون بالترتيب، أي دراسة المستوى الأول ثم بعد الفراغ منه ننتقل إلى المستوى الثاني، لكن الواقع يشير إلى علاقة جدلية بين المستويين، فتحديدنا لشكل الناتج يلقي بظلاله على الآليات.
إذا قلت مثلا إن الناتج من النص هو النموذج (أيا كان) أي إنني أريد الخروج بنموذج معرفي إسلامي، فهذا بالتالي سيلقي بظلاله على الآليات، ففي علم أصول الفقه تعد المقاصد الآلية المفضلة للوصول إلى نموذج معرفي، وذلك بحسب صياغة الشاطبي لها، أي باعتبارها إعادة صياغة لأصول الفقه لا بابا من أبوابه، وعلى مستوى التفسير، يبدو أن اعتماد اللغة العربية قاعدة كبرى في التعامل مع النص القرآني، ثم اعتماد نظرية السياق، وكل ما يبقي القرآن وحدة متماسكة.. يبدو أن ذلك أقرب ما يكون لاستخراج النماذج، وكل ما يبعدنا عن النماذج مثل الإغراق في التفسير الفقهي أو الإغراق في الإعجاز العلمي يكون أبعد عن استخراج النماذج... ربما يكون التفسير الموضوعي هو أقرب المناهج لاستخراج النماذج، هكذا يبدو، لكن واقع التفسير الموضوعي ومفرداته وما يطرأ عليها من إشكالات يجعله بحاجة إلى إصلاح جذري وإعادة صياغة.
وخلاصة الكلام أن جذر الخلل في الفكر الإسلامي المعاصر هو فقد المنظومة أو النظام أو النسق أو النموذج المعرفي الإسلامي، لذلك يتجه التجديد إلى البحث عنه وتعميقه، وهذا سيلقي بظلاله على آليات فهم النص ويقيم علاقة جدلية بين الآليات ومخرجاتها.
(4) النموذج المعرفي الإسلامي
النموذج أو النسق أو النظام أو المنظومة... مصطلحات إذا حاولنا البحث عن أصولها الغربية واستعمالات العرب لها سنطيل الكلام كثيرا، وربما التحرر من هذه المحاولة وإيضاح مقصودنا منها هو الأفضل، لكني أيضا بحاجة إلى أن أبين أن هذه المصطلحات طرحت من جهات عديدة، فمثلا (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) يطرح من أولوياته إيجاد (نظام معرفي إسلامي) وهو يراه موازيا لأسلمة المعرفة، وتجد هذه المصطلحات أيضا في كتب كثير من المفكرين، فحتى لا يقع اللبس أود أن أبين المراد منها.
إن أول وأفضل من تحدث عن النموذج المعرفي الإسلامي هو الدكتور عبد الوهاب المسيري، وأنا أدين بالفضل له في الوقوف على هذا العنى، ولكني أعتقد في الوقت نفسه أن طرحه يشكل البذرة التي تحتاج إلى تنمية وتطوير كبير، وبحسب ما قرأت فإن المعالم التي طرحها المسيري شقت الطريق لكل من تحدث عن النموذج أو النظام، ولم يستطع أحد أن يضيف شيئا يذكر، إلا أن كل كاتب سلك به طريقه الخاص (انظر دراسات المعهد العالمي للفكر الإسلامي مثلا) حتى صار شيئا مختلفا، بل إني أعتقد أن النموذج المعرفي الإسلامي والأسلمة ضدان لا يجتمعان.
في المجتمعات الدينية التي ترجع في استقاء نموذجها من النص يكون النموذج هو الفكرة المحورية في نص ما والتي لا توجد في أي جزء منه بشكل ظاهر لكنها مع هذا كامنة في كل أجزائه وهي التي تمنحه وحدته الأساسية وتربط بين عناصره المختلفة، أما مصطلح (معرفي) فيقصد به معرفة الكليات والنهايات، وللتوصل إلى البعد المعرفي للنموذج لابد من العمل على ثلاثة مستويات، الأول: تحديد العلاقات، والثاني: معرفة الغايات، والثالث: هو تحديد المرجعيات، ويتم ذلك من خلال الحديث عن أركان النموذج الأساسية وهي (الخالق، الإنسان، الكون)، هذا باختصار شديد مجمل ما يدور حوله كلام المسيري ومن يكتب في النماذج، وأنا أعتقد جازما أن هذا هو بداية الطريق فحسب، فبعد بناء النموذج يتم بناء النماذج المصغرة، ولابد من التعمق في الآليات المفضلة، ثم اختبار النموذج وتقويته، إنها بكل صدق عملية شاقة للغاية.
يأتي الإنسان إلى النص مثقلا بالأفكار ومحملا بالهموم، هو لا يأتي محايدا ولا يستطيع أن يأتي محايدا، لأن الحياد في التعامل مع النص يشبه الإنسان الفارغ وهذا محال، إنه يأتي وقد أجرى تجارب كثيرة حتى صار إنسانا له أفكاره ومعتقداته وأساليبه في الفهم، يقرأ النص وهو محمل بنموذج أيضا، من حيث يدري أولا يدري، لكنه يحمل نموذجا بلا شك، يقرأ النص فيحاول تحديد الأفكار المحورية فيه ثم يقيم العلاقات بينها ويحدد غايات كل شيء في الوجود، فيقيم نموذجه الإسلامي، يضاف هذا النموذج إلى هذا الإنسان فيزيد من تجاربه، ويصبح إنسانا آخر أكثر خبرة وتطورا، فيتحول نموذجه إلى سلوك وهو يحاول أن يقيم نموذجه واقعا على الأرض، وهو بهذا الفعل يختبر هذا النموذج فيكتشف مكامن القوة فيه والضعف، ثم يعود مرة أخرى ليقرأ النص وفق هذا النموذج، ويختبره مرة أخرى، ليرى هل يقبله النص من خلال قراءته كوحدة متكاملة أم لا، فيصحح النموذج أو قل إنه يقويه، ثم يعيد اختباره مرة أخرى من خلال ذاته والواقع وقراءة النص، وهكذا يتكثف النموذج ويقوى عير العلاقة الجدلية، وهو في كل مرة يطور آلياته ويرتقي بعقله.
إن التعامل مع النموذج بهذه الطريقة الجدلية بين الإنسان والكون والنص، يجعل من الزمن عاملا مهما في تقويته وتكثيفه، وليس من الصواب اختصار هذه العملية الجدلية، لكننا مطالبون ببذل أقصى الجهد في هذا التراكم الزمني، إنني أستشعر من الآن حجم العناء الذي سيصاحب هذه العملية التجديدية، لكنها ستكون ممتعة ستسحق الحياة لأجلها.
د/ مصطفى الحسن .
قليل من ضوء- مشرف
- الجنس :
عدد المساهمات : 25
تاريخ التسجيل : 27/10/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أغسطس 02, 2010 6:09 pm من طرف سنفورة
» المرأة والرياضيات
الأربعاء يوليو 21, 2010 8:20 pm من طرف د.سين
» سعودي .. وكلي فخر ..
الإثنين يونيو 07, 2010 5:07 pm من طرف لا
» ماذا أصابكم يا شباب .. ؟؟
الأحد يونيو 06, 2010 5:18 pm من طرف قليل من ضوء
» ثقافة الشباب المصري
الأحد يونيو 06, 2010 5:08 pm من طرف قليل من ضوء
» ماكدونالدز تسحب 12 مليون كوب سام من فروعها
الأحد يونيو 06, 2010 5:01 pm من طرف جمرة غضى
» رأت عيني
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:44 pm من طرف د.سين
» إطلاق موقع "أمِّن" لحماية مستخدمي التقنية
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:33 pm من طرف جمرة غضى
» اليوم العلمي في جامع الراجحي
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:27 pm من طرف د.سين
» حديث موضوع
الثلاثاء يونيو 01, 2010 11:01 pm من طرف admin
» إبداع بالفوتوشوب كأنه حقيقي
الثلاثاء يونيو 01, 2010 10:49 pm من طرف سنفورة
» المفاتيح السبعة
الثلاثاء يونيو 01, 2010 7:50 am من طرف لا
» لا تشاور سبعة
الثلاثاء يونيو 01, 2010 7:46 am من طرف لا
» كيف تعرف إسم حبيبك ؟
الأحد مايو 23, 2010 11:46 pm من طرف عذبة
» ذكاء الإمام الشافعي
الأربعاء مايو 19, 2010 1:40 pm من طرف أسمر حليوه
» حان الرحيل
الأحد مايو 16, 2010 11:20 pm من طرف cute
» موظفي التعداد ومواقف بين المحرجة والطريفة
الأحد مايو 16, 2010 11:08 pm من طرف cute
» مثلث الوحيد !!!!
الأحد مايو 16, 2010 10:44 pm من طرف سنفورة
» لعبة توم وجيري
الأربعاء مايو 12, 2010 5:41 am من طرف cute
» للرجال حور عين فماذا للنساء ؟
الإثنين مايو 10, 2010 10:56 pm من طرف د.سين
» معنى نقص العقل والدين عند النساء
الإثنين مايو 10, 2010 10:40 pm من طرف د.سين
» يارب ما تكون قديمة
الإثنين مايو 10, 2010 4:41 pm من طرف سنفورة
» طريقة إخفاء ملف التعريف بالهوتميل
الإثنين مايو 10, 2010 4:17 pm من طرف تفاحة نيوتن
» البرامج الأساسية لكل جهاز بلاك بيري
الإثنين مايو 10, 2010 4:00 pm من طرف cute
» موريس بوكاي وكتابه القرآن والتوراة والإنجيل والعلم
الأحد مايو 09, 2010 9:31 am من طرف قليل من ضوء
» بمجرد تمرير الماوس على الآية يظهر التفسير
الأحد مايو 09, 2010 8:56 am من طرف سنفورة
» لعبة خطيرة
الأحد مايو 09, 2010 8:48 am من طرف جمرة غضى
» خطورة الهم
السبت مايو 08, 2010 10:48 pm من طرف admin
» صفوفنا عوجاء
السبت مايو 08, 2010 5:54 pm من طرف د.سين
» حكاية فأر تحول إلى نمر
السبت مايو 08, 2010 5:41 pm من طرف قليل من ضوء