أبي لا يبكي

[admin]

أبي لا يبكي..أبي لا يبكي..أكرر وأقول لك أيها المتطفل أن أبي لا يبكي لذا كل الرجال لا يبكون..لا يذرفون دمعة تكسر المرآة التي طالما أنهكوا حتى أكتملت في عقولنا..
حتى أمي ترفض أن تبكي أمام جبروت أبي..هي علمتنا أن الدمعة انكسار..الانكسار الذي لا مكانة له اليوم ولا غدا ولا بعد آلاف السنين..لأننا باختصار في غابة..لا يحكم قبضتها سوى الجلدين..

_هذا كل مالديك؟
_نعم
_أغلق المفكرة..أيها الكاتب وأكتب في نهايةالصفحة..

الرجال لا يبكون الآن سيصفق لي أبي..بعد ما وارت جثته الأتربة.. ويخبر جيرانه في المقابر الأخرى من فرط فرحته : أن ابني فهم الدرس أخيرا..وها هو يعيد أمجاده وينفث بفيه الأغبرة التي لامست غلافه برهة من الزمن..هذاالبكاء الذي طالما عكفت سنوات من أجل الحصول على دواء يبده..
كم أنا فخور بك يا بني..كم أنا فخور بك..
ويعود لنومته من جديد..وشفتاه تتمتم بابتسامة باردة..
الرجال لا يبكون..حقا أن الرجال لا يبكون..

ليدخل وجهي في تضاده..حيث كل شيء يعيد فوضاه قبل رتابته..الجدران ملطخة بالألوان..والأوراق ممزقة كلها تنام تحت أرجل كرسي جدي.. جدي الذي عرف في صغره بشموخ ذاته، و الذي لا يرضى بحرفه أن يكرر مرتين ولا لكلمته أن تتكسر أمامه..ولا يغادر المنزل إلا والعصا معه،هو يردد ويقول هي تساوي هو..
قبل أن يغادر كان يطرح خادمنا الأسود أرضا..هويختبر قوته وأنه لا يزال في عز شبابه.. ويبقى ينظر إليه حتى يفيق..كان في بادئ الأمريهيج حين يرى دمعة تسقط بعد كل سقطة..الآن فقط أدرك أنه لابد أن يراها..لأمرين ليدرك كم هو قوي ولازال في فتوتة حيث تفتل عضلاته، وليعلم خادمنا الأسود أنه عبد لا يزال ولم ولن يصل لمبلغ الرجال..

رغباتي تتلاشى عند حدود نظراته الصارمة وقامته الفارهة ، لأبلغ يقيني وارتجع لذاتي المتكومة في ظلمتها السلامة حتما..
النسوة في القرية قد نذرن ساعات الانتظار للحظة يرين فيها جدي وهو يمشي بكبريائه..بعضهن يفتحن فرجة النافذة ويتعمدن تكرار صريرها..هو لا يأبه بقصة النافذة المفتوحة ،لذا كان الحب والعطف يشكو تقسيطه ،رغم أن داخله حقولا منهما، وكان هذا ما يزيد شكوك مفكرتي كل ليلة..لا قلب مفكرتي بعد أن آلت كل محاولات التصالح معها للخيبة..
وفي العتمة تنهض الأرواح ، هي تردد حروف افهمها،أبي يكررها كل يوم لأمي..وجدي يصفع بها خدامنا الأسود طغاة،رعاه،والموت واحد..

أنهكت كثيرا وأنا أحاول التقاطها وحين قررت تدوينها كنت قد فقدت أغلب ملامحها..لأرسمها في صفحتي كما في ذاتي فالظلال مثل النور تماما ولا يقل أهمية عنه..

قل للأصابع أن تكف عن الهذيان يا أبي،أرغمها على التقلص فلا سبيل للتمدد في بحيرات الألم،قل لها أن سماء اللعنات المتساقطة فوق رؤوس الضعاف من رقيقي الحس والقلب قد انتهى،فلا ثقوب في السماء ليتساقط حجرها،والأرض قد أعلنت تكفلها للابتلاع.. الزوايا ترفضني،والبهوفي منزلنا معتم،وأشعرني هشْ وفي داخلي نزعة للعزلة حتى لا يشهد أحد انصهاري على فوهة براكين أنيني.
وكم يلزمني لأعيدني من جديد فأكرر بكل قوتي:
أبي لا يبكي..أبي لا يبكي..أكرر وأقول لك أيها المتطفل أن أبي لا يبكي.لذا أنا لا أبكي..

منقول

[دنحي]

كم نرث من آباءنا ما أوهومونا بتصديقه

فأبي لا يكذب

وأبي لا يخاف

وأبي لا ..

و لا .. ولا ..

ونصبح بعدها قشرة لا تبكي وقلوب تنزف وتحلم لو أخرجت هذا النزف من عينيها


لكنها لا تستطيع لأننا ورثنا الجلَد الكاذب عن آباءنا ..

رائع .. رائع .. رائع أدمين ... أشكرك على النقل الرائع لقد أمتعتنا

[admin]

شكرا دنحي
أثريت الموضوع بتعليقك القيِّم
وأضأت صفحتي بحضورك

[فلاوي]

أولا : أشكرك أدمين

ثانيا : لقد استوقفني تعليق دنحي

كم نرث من آباءنا ما أوهومونا بتصديقه

فأبي لا يكذب

وأبي لا يخاف

وأبي لا ..

و لا .. ولا ..

ونصبح بعدها قشرة لا تبكي وقلوب تنزف وتحلم لو أخرجت هذا النزف من عينيها


لكنها لا تستطيع لأننا ورثنا الجلَد الكاذب عن آباءنا ..

وأرى أنه قد يكون تفسيرا لما وراء الكلمات في هذا الموضوع